الجارة 

نشرت سنة 1847


كان لا يخطر بباله أن هناك حياة أخرى صاخبة مضطربة متغيرة جذابة , لامفر منها عاجلاً أو آجلاً . صحيح أنه سمع عن هذه الحياة بالرغم منه , ولكنه كان يجهلها ولا يسعى لمعرفتها .. لقد قضى حياته في عزلة . وهو الان غارق غرقًا كاملا في هوىً عميق , هوىً لايشبع ولا يرتوى , هوىً من تلك الأهواء التي لا تدع لأشخاص مثل أوردينوف أي فرصة للقيام بأي نشاط عملي حياتي : ذلك الهوى هو "العلم".
-----------------------------------------------------------------------------------
في بعض اللحظات ينبع في فكره شعور غامض مبهم أنه قد حكم عليه أن يعيش حلما طويلا لا نهاية له , مليئا باضطرابات غريبة وصراعات وآلام عقيمة ... فيشعر بذعر شديد , ويحاول أن يتمرد وأن يثور على هذا القدر الذي يثقل صدره . ولكن حين يبلغ الصراع أشد لحظاته حدة وضراوة , يحس بقوة مجهولة تضربه من جديد , فيدرك ادراكا واضحاً كيف أنه يفقد ذاكرته مرة أخرى , وكيف أن ظلاما رهيبا , لا مخرج منه , ينتشر أمامه من جديد , فيندفع اليه صارخاً صرخة قلق ويأس . وفي لحظات أخرى يشعر بسعادة عنيفة مسرفة في العنف , سعادة ساحقة ...يحدث ذلك حين تزداد الحيوية في الكيان الانساني كله الى غير حد , حين يصبح الماضي أوضح وتترجع أصداء انتصار الفرح , حين يحلم المرء بمستقبل مجهول , حين يهبط على النفس امل رائع كالندى المنعش , حين يشتهي المرء أن يصرخ من فرط الحماسة , حين يحس أن الجسد عاجز أمام كثرة الاحاسيس وغزارتها ووفرتها , حين ينقطع خيط الوجود ويعلو في الوقت نفسه هتاف التهليل لانبعاث حياة جديدة.
-------------------------------------------------------------------------------------
ويستيقظ الطفل رجلا . لقد إنقضت سنين طويلة دون أن يدرك ذلك . وفجأة يعرف وضعه على حقيقته , ويفهم أنه وحيد وغريب عن الكون كله .
------------------------------------------------------------------------------------
ها هو يرى أن كل شيء , تهاويله المبهمة في أيام طفولته , أفكاره وأحلامه جميعها , ما عرفه من الحياة كلها , ما قرأه في الكتب كافة , ما نسيه منذ زمن بعيد , ذلك كله الآن ينبعث ويتجسد وينتصب أمامه صورا ضخمة , ويسير ويرقص حلقة حوله . جنائن بديعة تنبت أمام بصره , مدن برمتها تتهاوى خرائب وركاما , مقابر ترد اليه موتاها أحياءً يسعون . أمم وشعوب بأسرها تظهر وتكبر وتموت على مرأى منه . كل فكرة وكل حلم يتجسد الان حول سريره , سرير المريض , تجسده حين ولد ... فهو الآن لا يحلم بمكان من غير لحم ودم , بل بعوالم بأسرها . وهو نفسه الآن يجرفه إعصار , كذرة غبار , في هذا العالم اللانهائي هذا العالم الغريب , الذي لا مخرج منه .  وهذه الحياة كلها , باستقلالها المتمرد , تدفعه دفعا , وتلاحقه بسخريتها الآبدية الحقود التي لايشفى لها غليل .
أحس أنه يموت , أنه يتهاوى ترابا , إلى الأبد , بغير إنبعاث ممكن . أراد أن يهرب , ولكن ليس في الكون كله ركن يختبئ فيه .  ويستولي عليه أخيرا ذعر رهيب , فيصرخ , ويستيقظ ...
------------------------------------------------------------------------------------
كفاك سكب الدموع حزنا على شقاء الآخرين . احتفظ بدموعك ليوم تتعذب فيه وحدك ,ليومٍ لا يكون معك فيه أحد .
------------------------------------------------------------------------------------
الشقاء ينزل على الإنسان دون أن يطرق الباب  مستأذنا بالدخول , انه يتسلل تسلل اللصوص.
-------------------------------------------------------------------------------------
الأفكار تنشأ من الألم , والألم ينادي الأفكار,فإذا كان الإنسان سعيدا لن يفكر قط ...
-------------------------------------------------------------------------------------
ليس في طاقة إنسان ضعيف أن يضبط نفسه وحده . لو أعطيته كل شيء , لجاء من تلقاء نفسه يرد كل شيء , حتى لو أعطيته نصف الكون . لو وهبت الحرية لإنسان ضعيف , لأوثقها بيديه , وأعادها إليك . لا قيمة للحرية عند قلب ساذج ... ولا يستطيع المرء أن يعيش مع طبع كهذا الطبع ...
-------------------------------------------------------------------------------------
حين يغضب المرء يتناول خنجرا , بل لقد يهجم أعزل اليدين من السلاح محاولا أن يمزق عنق عدوه ... لكن يكفي أن يوضع في يدك خنجر , وأن يكشف لك عدوك عن صدره , حتى تتراجع ...
-------------------------------------------------------------------------------------


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قلب ضعيف