الليالي البيضاء


نشرت سنة 1848



الحالم ليس إنساناً بل مخلوق غريب ... لاتحديد له انه يؤثر الزوايا التي لا يمكن بلوغها والوصول إليها , كأنه يهرب من ضوء النهار , مثله كمثل تلك الحيوانات الغريبة _السلاحف_ التي تحمل بيوتها معها. ترى لماذا يحبون كل هذا الحب جدرانهم الصغيرة الأربعة المدهونة دائماً بلون أخضر , التي يشيع فيها الحزن ويملؤها الدخان بغير إنقطاع ؟ ترى لماذا حين يجيء الى أحدهم صديق ( لاحظي أنه يفعل كل مايحسن أن يفعله على خير وجه حتى يغيب عنه جميع الأصدقاء آخر الأمر) , ترى لماذا حين يجيء هذا الصديق يهب ذلك الإنسان الشاذ الى إستقباله خجولا كل الخجل وقد تغير وجهه كل ذلك التغير, حتى لكأنه قارف بين جدرانه الأربعة الصغيرة جرماً , كأنه صنع أوراق نقدية مزيفة , أو نظم أبياتاً من الشعر صغيرة ليرسلها إلى مجلة مع رسالة لا يذكر فيها إسمه قائلا ان ناظم هذا الشعر صديق له قد مات , وانه يرى أن من واجبه المقدس ان ينشر انتاجه .ولماذا يا ناتسكا يخمد الحديث بين هذين الصديقين ؟ لماذا يضوى ويهن , فلا ضحكة ولا كلمة جريئة , ولا إشارة إلى الجنس اللطيف ؟ لماذا يصبح الصديق نفسه (وهو لن يعود ولن يكون له خلف )  مضطربا كل ذلك الإضطراب ؟  لماذا يفقد كل حس سليم (إذا كان له منه شيء ) حين يلاحظ كيف تشعث وجه رب البيت الذي فقد هو ايضا صوابه فقدانا كاملاً . ان رب البيت يحاول عبثا أن يظهر علمه بآداب المجتمع و أن يبعث في الحديث شيئا من الحياة بالكلام عن النساء , وأن يسلي صديقه الذي جاء يزوره خطأً. ولماذا يتناول هذا الصديق أخيرا قبعته ويهرع نحو الباب متذكراً على حين فجأة مهمة عاجلة لا وجود لها في الواقع ؟ وفجاة يتحرر من العناق الحار , عناق صاحبه الذي يجهد ان يعبر عن اسفه ويصلح ما أفسده فتوره ؟ لماذا ينفجر الصديق ضاحكا وراء الباب قاطعا على نفسه عهدا ان لا يضع قدميه بعد اليوم في بيت هذا الإنسان الشاذ الذي هو رجل طيب على كل حال . انه يقارن في  ذكراه بين وضع هذا المسكين صاحب البيت وبين وضع قطة ضربها الأطفال فهربت مذعورة الى الظلام تحت المائدة , وظلت ساعة بكاملها تسترد عافيتها شيئا فشيئاً وتغسل فمها الجريح بقائمتيها الصغيرتين , وتظل تنظر بعد ذلك نظرة عداء الى كل شيء حتى الى الخادمة التي تأتيها بطعامها. 

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

نحن لا نحيا إلا قليلا جداً, نحن لا نحيا إلا بطيئاً جدا, نحن لا نحيا إلا حياة رتيبة جداً

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

انني ارتكبت جريمة في حياتي , لأن الحياة جريمة.

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

نحن نشعر بألم الآخرين شعورا أعمق حين نكون أشقياء معذبين . ان عاطفتنا تشتد عندئذ وتقوى ...

---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

إن السعداء لا يطاقون ولا يحتملون .


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

قلب ضعيف